السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
مِنْ صِفَاتِ اَللَّهِ تَعَالَى اَلْكَلَامُ
وَمِنْ صِفَاتِ اَللَّهِ تَعَالَى, أَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ قَدِيمٍ, يَسْمَعْهُ مِنْهُ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ, سَمِعَهُ مُوسَى -عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ- مِنْهُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ, وَسَمِعَهُ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ-, وَمَنْ أَذِنَ لَهُ مِنْ مَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ, وَأَنَّهُ -سُبْحَانَهُ- يُكَلِّمُ اَلْمُؤْمِنِينَ فِي اَلْآخِرَةِ, وَيُكَلِّمُونَهُ, وَيَأْذَنُ لَهُمْ فَيَزُورُونَهُ, قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً)(النساء: من الآية164)وَقَالَ سُبْحَانَهُ: (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي)(لأعراف: من الآية144)] وَقَالَ سُبْحَانَهُ: (منهم من كلم الله)(البقرة 253) وَقَالَ سُبْحَانَهُ
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَاب)(الشورى: من الآية51) وَقَالَ سُبْحَانَهُ: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى) (طـه:11)
وَقَالَ سُبْحَانَهُ
أننى أنا الله لا اله الا أنا فاعبدني) وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا أَحَدٌ غَيْرُ اَللَّهِ .
وَقَالَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ t إِذَا تَكَلَّمَ اَللَّهُ بِالْوَحْيِ, سَمِعَ صَوْتَهُ أَهْلُ اَلسَّمَاءِ, رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ اَلنَّبِيِّ -صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَرَوَى عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ عَنْ اَلنَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم ) أَنَّهُ قَالَ (( يَحْشُرُ اَللَّهُ اَلْخَلَائِقَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ عُرَاةً حُفَاةً غُرْلاً بُهْمًا فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعْهُ مَنْ بَعُدَ, كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ أَنَا اَلْمُلْكُ, أَنَا اَلدَّيَّانُ )) رَوَاهُ اَلْأَئِمَّةُ, وَاسْتَشْهَدَ بِهِ اَلْبُخَارِيُّ .
وَفِي بَعْضِ اَلْآثَارِ أَنَّ مُوسَى -عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ- لَيْلَةً رَأَى اَلنَّارَ, فَهَالَتْهُ فَفَزِعَ مِنْهَا, فَنَادَاهُ رَبُّهُ يَا مُوسَى, فَأَجَابَ سَرِيعًا اِسْتِئْنَاسًا بِالصَّوْتِ فَقَالَ لَبَّيْكَ, لَبَّيْكَ, أَسْمَعُ صَوْتَكَ, وَلَا أَرَى مَكَانَكَ, فَأَيْنَ أَنْتَ? فَقَالَ أَنَا فوقك وأمامك وعن يمينك وعن شمالك فاعلم إن هذه الصفة لا تنبغي الا لله تعالى, قال: كذلك انت يا إلهى أفكلامك أسمع أم كلام رسولك قال: بل كلامى يا موسى
فَصْلٌ
وَمِنْ كَلَامِ اَللَّهِ -سُبْحَانَهُ- اَلْقُرْآنُ اَلْعَظِيمُ وَهُوَ كِتَابُ اَللَّهِ اَلْمُبِينُ, وَحَبْلُهُ اَلْمَتِينُ, وَصِرَاطُهُ اَلْمُسْتَقِيمُ, وَتَنْزِيلُ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ, نَزَلَ بِهِ اَلرُّوحُ اَلْأَمِينُ, عَلَى قَلْبِ سَيِّدِ اَلْمُرْسَلِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ, مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ, مِنْهُ بَدَأَ, وَإِلَيْهِ يَعُودُ, وَهُوَ سُوَرٌ مُحْكَمَاتٌ, وَآيَاتٌ بَيِّنَاتٌ, وَحُرُوفٌ وَكَلِمَاتٌ
مَنْ قَرَأَهُ فَأَعْرَبَهُ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ, لَهُ أَوَّلٌ وَآخِرُ, وَأَجْزَاءٌ وَأَبْعَاضٌ, مَتْلُوٌ بِالْأَلْسِنَةِ, مَحْفُوظٌ فِي اَلصُّدُورِ, مَسْمُوعٌ بِالْآذَانِ, مَكْتُوبٌ فِي اَلْمَصَاحِفِ, فِيهِ مُحْكَمٌ وَمُتَشَابِهٌ, وَنَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ, وَخَاصٌّ وَعَامٌّ, وَأَمْرٌ وَنَهْيٌ
لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت:42)
وَقَوْلُهُ تَعَالَى
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الاسراء:88) وَهُوَ هَذَا اَلْكِتَابُ اَلْعَرَبِيُّ اَلَّذِي قَالَ فِيهِ اَلَّذِينَ كَفَرُوا
لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ )(سـبأ: من الآية31)وَقَالَ بَعْضُهُمْ
إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) (المدثر:25) فَقَالَ اَللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- (سأصليه سقر) ([1]) [سُورَةُ اَلْمُدَّثِّرُ 26] وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ شِعْرٌ, فَقَالَ اَللَّهُ تَعَالَى (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) (يّـس:69) فَلَمَّا نَفَى اَللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ شِعْرٌ, وَأَثْبَتَهُ قُرْآنًا, لَمْ يُبْقِ شُبْهَةً لِذِي لُبٍّ فِي أَنَّ اَلْقُرْآنَ هُوَ هَذَا اَلْكِتَابُ اَلْعَرَبِيُّ اَلَّذِي هُوَ (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ)(البقرة: من الآية23) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَحَدَّاهُمْ بِالْإِتْيَانِ بِمِثْلِ مَا لَا يُدْرَى مَا هُوَ, وَلَا يُعْقَلُ, وَقَالَ تَعَالَى
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي)(يونس: من الآية15)فَأَثْبَتَ أَنَّ اَلْقُرْآنَ هُوَ اَلْآيَاتُ اَلَّتِي تُتْلَى عَلَيْهِمْ وَقَالَ تَعَالَى
بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُو)(العنكبوت: من الآية49)وَقَالَ تَعَالَى : (فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ) (الواقعة:78) (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (الواقعة:79)
بَعْدَ أَنْ أَقْسَمَ عَلَى ذَلِكَ, وَقَالَ تَعَالَى ( كهعِيص ) ([2]) [سُورَةُ مَرْيَمَ 1] (حم عسق ([3]) [سُورَةُ اَلشُّورَى 1] وَافْتَتَحَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ سُورَةً بِالْحُرُوفِ اَلْمُقَطَّعَةِ
وَقَالَ اَلنَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم)(( مَنْ قَرَأَ اَلْقُرْآنَ فَأَعْرَبَهُ, فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ مِنْهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ, وَمَنْ قَرَأَهُ وَلَحَنَ فِيهِ, فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ حَسَنَةٌ )) حَدِيثٌ صَحِيحٌ .
وَقَالَ -عَلَيْهِ اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- (( اِقْرَءُوا اَلْقُرْآنَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ قَوْمٌ يُقِيمُونَ حُرُوفَهُ إِقَامَةَ اَلسَّهْمِ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيهِمْ يَتَعَجَّلُونَ أَجْرَهُ وَلَا يَتَأَجَّلُونَهُ )) ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا- (إِعْرَابُ اَلْقُرْآنِ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ حِفْظِ بَعْضِ حُرُوفِهِ)
وَقَالَ عَلَيٌّ t (مَنْ كَفَرَ بِحَرْفٍ فَقَدْ كَفَرَ بِهِ كُلِّهُ), وَاتَّفَقَ اَلْمُسْلِمُونَ عَلَى عَدِّ سُوَرِ اَلْقُرْآنِ, وَآيَاتِهِ وَكَلِمَاتِهِ, وَحُرُوفِهِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ اَلْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ مَنْ جَحَدَ مِنْ اَلْقُرْآنِ سُورَةً أَوْ آيَةً, أَوْ كَلِمَةً, أَوْ حَرْفًا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ أَنَّهُ كَافِرٌ, وَفِي هَذَا حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ عَلَى أَنَّهُ حُرُوفٌ
فَصْلٌ
وَالْمُؤْمِنُونَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ بِأَبْصَارِهِمْ وَيَزُورُونَهُ, وَيُكَلِّمُهُمْ, وَيُكَلِّمُونَهُ, قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى
كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (المطففين:15) فَلَمَّا حَجَبَ أُولَئِكَ فِي حَالِ اَلسُّخْطُ, دَلَّ عَلَى أَنَّ اَلْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَهُ فِي حَالِ اَلرِّضَى, وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ, وَقَالَ اَلنَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم)(( إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا اَلْقَمَرَ لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ )) ([4]) حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَذَا تَشْبِيهٌ لِلرُّؤْيَةِ, لَا لِلْمَرْئِيّ, فَإِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى لَا شَبِيهَ لَهُ, وَلَا نَظِيرَ
فَصْلٌ
وَمِنْ صِفَاتِ اَللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ اَلْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ لَا يَكُونُ شَيْءٌ إِلَّا بِإِرَادَتِهِ, وَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ عَنْ مَشِيئَتِهِ, وَلَيْسَ فِي اَلْعَالَمِ شَيْءٌ يَخْرُجُ عَنْ تَقْدِيرِهِ, وَلَا يَصْدُرُ إِلَّا عَنْ تَدْبِيرِهِ, وَلَا مَحِيدَ عَنْ اَلْقَدَرِ اَلْمَقْدُورِ, وَلَا يَتَجَاوَزُ مَا خُطَّ فِي اَللَّوْحِ اَلْمَسْطُورِ, أَرَادَ مَا اَلْعَالَمُ فَاعِلُوهُ, وَلَوْ عَصَمَهُمْ لَمَا خَالَفُوهُ, وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُطِيعُوهُ جَمِيعًا لَأَطَاعُوهُ, خَلَقَ اَلْخَلْقَ وَأَفْعَالَهُمْ, وَقَدَّرَ أَرْزَاقَهُمْ وَآجَالَهُمْ, يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ بِرَحْمَتِهِ, وَيَضِلُّ مَنْ يَشَاءُ بِحِكْمَتِهِ, قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) (الانبياء:23) قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر:49) وَقَالَ تَعَالَى
وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)(الفرقان: من الآية2) وَقَالَ تَعَالَى
مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا)(الحديد: من الآية22)وَقَالَ تَعَالَى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً )(الأنعام: من الآية125) رَوَى اِبْنُ عُمَرَ أَنَّ جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ- قَالَ لِلنَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم)(( مَا اَلْإِيمَانُ? قَالَ أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ, وَمَلَائِكَتِهِ, وَكُتُبِهِ, وَرُسُلِهِ, وَالْيَوْمِ اَلْآخِرِ, وَبِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ" فَقَالَ جِبْرِيلُ صَدَقْتَ )) ([5]) رَوَاهُ مُسْلِمٌ, وَقَالَ اَلنَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم)(( آمَنْتُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ, وَحُلْوِهِ وَمُرِّهِ )) وَمِنْ دُعَاءِ اَلنَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) اَلَّذِي عَلَّمَهُ اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ يَدْعُو بِهِ فِي قُنُوتِ اَلْوِتْرِ (( وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ )) ([6]) وَلَا نَجْعَلُ قَضَاءَ اَللَّهِ وَقَدَرَهُ حُجَّةً لَنَا فِي تَرْكِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيه, بَلْ يَجِبُ أَنْ نُؤْمِنَ وَنَعْلَمَ أَنَّ لِلَّهِ عَلَيْنَا اَلْحُجَّةَ بِإِنْزَالِ اَلْكُتُبِ, وَبِعْثَةِ اَلرُّسُلِ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى
لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ )(النساء: من الآية165)وَنَعْلَمَ أَنَّ اَللَّهَ -سُبْحَانَهُ- مَا أَمَرَ وَنَهَى إِلَّا اَلْمُسْتَطِيعَ لِلْفِعْلِ وَالتَّرْكِ, وَأَنَّهُ لَمْ يُجْبِرْ أَحَدًا عَلَى مَعْصِيَةٍ, وَلَا اِضْطَرَّهُ إِلَى تَرْكِ طَاعَةٍ, قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى)لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا)(البقرة: من الآية286)وَقَالَ اَللَّهُ تَعَالَى
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )(التغابن: من الآية16)وَقَالَ تَعَالَى: (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْم)(غافر: من الآية17)فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِلْعَبْدِ فِعْلاً وَكَسْبًا, يُجْزَى عَلَى حُسْنِهِ بِالثَّوَابِ, وَعَلَى سَيِّئِهِ بِالْعِقَابِ, وَهُوَ وَاقِعٌ بِقَضَاءِ اَللَّهِ وَقَدَرِهُ
فَصْلٌ
وَالْإِيمَانُ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ, وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ وَعَقْدٌ بِالْجَنَانِ, يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ, وَيَنْقُصُ بِالْعِصْيَانِ, قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: â(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة:5) ] فَجَعَلَ عَبَادَةَ اَللَّهِ تَعَالَى, وَإِخْلَاصَ اَلْقَلْبِ, وَإِقَامَ اَلصَّلَاةِ, وَإِيتَاءَ اَلزَّكَاةِ كُلَّهُ مِنْ اَلدِّينِ وَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ (صلى الله عليه وسلم)(( اَلْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً, أَعْلَاهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ, وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ اَلْأَذَى عَنْ اَلطَّرِيقِ )) ([7]) فَجَعَلَ اَلْقَوْلَ وَالْعَمَلَ مِنْ اَلْإِيمَانِ وَقَالَ تَعَالَى : (فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا )([8])[سُورَةُ اَلتَّوْبَةِ 24] وَقَال تعالىَ
ليزدادوا أيمانا)[سُورَةُ اَلْفَتْحِ 4] وَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ (صلى الله عليه وسلم ) (( يَخْرُجُ مِنْ اَلنَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ بُرَّةٍ, أَوْ خَرْدَلَةٍ, أَوْ ذَرَّةٍ مِنْ اَلْإِيمَانِ )) ([9]) فَجَعَلَهُ مُتَفَاضِلاً
فَصْلٌ
وَيَجِبَ اَلْإِيمَانُ بِكُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ اَلنَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم ) وَصَحَّ بِهِ اَلنَّقْلُ عَنْهُ فِيمَا شَاهَدْنَاهُ, أَوْ غَابَ عَنَّا, نَعْلَمُ أَنَّهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ, وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا عَقِلْنَاهُ وَجَهِلْنَاهُ, وَلَمْ نَطَّلِعْ عَلَى حَقِيقَةِ مَعْنَاهُ, مِثْلَ حَدِيثِ اَلْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ وَكَانَ يَقَظَةً لَا مَنَامًا, فَإِنَّ قُرَيْشًا أَنْكَرَتُهُ وَأَكْبَرَتَهُ, وَلَمْ تُنْكِرْ اَلْمَنَامَاتِ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَلَكَ اَلْمَوْتِ لَمَّا جَاءَ إِلَى مُوسَى -عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ- لِيَقْبِضَ رُوحِهِ لَطَمَهُ فَفَقَأَ عَيْنَهُ, فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ عَيْنَهُ
ومن ذلك اشراط الساعة مثل خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه السلام فيقتله وخروج ياجوج وماجوج وخروج الدابة وطلوع الشمس من نغربها وعذاب القبر ونعيمة حق وقد استعاذ النبي (صلى الله عليه وسلم) منه وامر به فى كل صلاة.
وفتنة القبر حق وسؤال منكير ونكير حق والبعث بعد الموت حق وذلك حين ينفخ اسرافيل عليه السلام فى الصور. (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) (يّـس:51) وَيُحْشُرُ اَلنَّاسُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً بِهِمَا, فَيَقِفُونَ فِي مَوْقِفِ اَلْقِيَامَةِ, حَتَّى يَشْفَعَ فِيهِمْ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم ) وَيُحَاسِبَهُمْ اَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى, وَتُنْصَبُ اَلْمَوَازِينُ, وَتُنْشُرُ اَلدَّوَاوِينُ, وَتَتَطَايَرُ صَحَائِفُ اَلْأَعْمَالِ إِلَى اَلْإِيمَانِ وَالشَّمَائِلِ : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِه ِ.فسوف يحاسب حسابا يسيرا. وينقلب الى أهله مسرورا . وأما من أوتى كتابه وراء ظهره . فسوف يدعوا ثبورا . ويصلى سعيرا) (الانشقاق: 7-12) وَالْمِيزَانُ لَهُ كِفَّتَان وَلِسَانٌ, تُوزَنُ بِهِ اَلْأَعْمَالُ
فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المؤمنون:102) (وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ) (المؤمنون:103)
وَلِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم حَوْضٌ فِي اَلْقِيَامَةِ, مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اَللَّبَنِ, وَأَحْلَى مِنْ اَلْعَسَلِ, وَأَبَارِيقُهُ عَدَدُ نُجُومِ اَلسَّمَاءِ, مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدًا, وَالصِّرَاطُ حَقٌّ, يَجُوزُهُ اَلْأَبْرَارُ, وَيَزِلُّ عَنْهُ اَلْفُجَّارُ, وَيَشْفَعُ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم ) فِيمَنْ دَخَلَ اَلنَّارَ مِنْ أُمَّتِهِ مِنْ أَهْلِ اَلْكَبَائِرِ, فَيَخْرُجُونَ بِشَفَاعَتِهِ بَعْدَمَا اِحْتَرَقُوا وَصَارُوا فَحْمًا وَحُمَمًا, فَيَدْخُلُونَ اَلْجَنَّةَ بِشَفَاعَتِهِ, وَلِسَائِرِ اَلْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةِ شَفَاعَاتٌ قَالَ تَعَالَى: ( وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)(الانبياء: من الآية28) وَلَا تَنْفَعُ اَلْكَافِرَ شَفَاعَةُ اَلشَّافِعِينَ
وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ مَخْلُوقَتَانِ لَا تَفْنَيَانِ فَالْجَنَّةُ مَأْوَى أَوْلِيَائِهِ, وَالنَّارُ عِقَابُ لِأَعْدَائِهِ,
وأهل الجنة مخلدون (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ) (الزخرف:74) (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) (الزخرف:75)
وَيُؤْتَى بِالْمَوْتِ فِي صُورَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ, فَيُذْبَحُ بَيْنَ اَلْجَنَّةِ وَالنَّارِ, ثُمَّ يُقَالُ "يَا أَهْلَ اَلْجَنَّةِ خُلُودٌ وَلَا مَوْتَ, وَيَا أَهْلَ اَلنَّارِ خُلُودٌ وَلَا مَوْتَ"
فَصْلٌ
وَمُحَمَّدٌ رَسُولُ اَللَّهِ (صلى الله عليه وسلم ) خَاتَمُ اَلنَّبِيِّينَ وَسَيِّدُ اَلْمُرْسَلِينَ, لَا يَصِحُّ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يُؤْمِنَ بِرِسَالَتِهِ وَيَشْهَدَ بِنُبُوَّتِهِ, وَلَا يُقْضَى بَيْنَ اَلنَّاسِ فِي اَلْقِيَامَةِ إِلَّا بِشَفَاعَتِهِ, وَلَا يَدْخُلُ اَلْجَنَّةَ أُمَّةٌ إِلَّا بَعْدَ دُخُولِ أُمَّتِهِ, صَاحِبُ لِوَاءِ اَلْحَمْدِ, وَالْمَقَامِ اَلْمَحْمُودِ, وَالْحَوْضِ اَلْمَوْرُودِ, وَهُوَ إِمَامُ اَلنَّبِيِّينَ, وَخَطِيبُهُمْ, وَصَاحِبُ شَفَاعَتِهِمْ, أُمَّتُهُ خَيْرُ اَلْأُمَمِ, وَأَصْحَابُهُ خَيْرُ أَصْحَابِ اَلْأَنْبِيَاءِ -عَلَيْهِمْ اَلسَّلَامُ-, وَأَفْضَلُ أُمَّتِهِ أَبُو بَكْرٍ اَلصِّدِّيقُ, ثُمَّ عُمَرُ اَلْفَارُوقُ, ثُمَّ عُثْمَانُ ذُو اَلنُّورَيْنِ, ثُمَّ عَلِيٌّ اَلْمُرْتَضَى -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ-; لِمَا رَوَى عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ ( كُنَّا نَقُولُ وَالنَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم ) حَيٌّ أَبُو بَكْرٍ, ثُمَّ عُمَرُ, ثُمَّ عُثْمَانُ, ثُمَّ عَلَيٌّ, فَيَبْلُغُ ذَلِكَ اَلنَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم ) فَلَا يُنْكِرُهُ (( ([10]) وَصَحَّتْ اَلرِّوَايَةُ عَنْ عَلَيٍّ t أَنَّهُ قَالَ ( خَيْرُ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ, وَلَوْ شِئْتَ سَمَّيْتَ اَلثَّالِثَ (( ([11]) وَرَوَى أَبُو اَلدَّرْدَاءِ عَنْ اَلنَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم ) أَنَّهُ قَالَ (( مَا طَلَعَتْ اَلشَّمْسُ وَلَا غَرَبَتْ بَعْدَ اَلنَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ عَلَى أَفْضَلَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ )) وَهُوَ أَحَقُّ خَلْقِ اَللَّهِ بِالْخِلَافَةِ بَعْدَ اَلنَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم ) لِفَضْلِهِ وَسَابِقَتِهِ, وَتَقْدِيمِ اَلنَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم ) لَهُ فِي اَلصَّلَاةِ عَلَى جَمِيعِ اَلصَّحَابَةِ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمْ-, وَإِجْمَاعِ اَلصَّحَابَةِ عَلَى تَقْدِيمِهِ وَمُبَايَعَتِهِ, وَلَمْ يَكُنْ اَللَّهُ لِيَجْمَعَهُمْ عَلَى ضَلَالَةٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عُمَرُ t لِفَضْلِهِ وَعَهْدِ أَبِي بَكْرٍ إِلَيْهِ, ثُمَّ عُثْمَانُ t لِتَقْدِيمِ أَهْلِ
عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ اَلْخُلَفَاءِ اَلرَّاشِدِينَ اَلْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي, عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ (( ([12]) وَقَالَ (صلى الله عليه وسلم ) ( اَلْخِلَافَةُ مِنْ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً )) فَكَانَ آخِرُهَا خِلَافَةَ عَلَيٍّ t
وَنَشْهَدُ لِلْعَشَرَةِ بِالْجَنَّةِ, كَمَا شَهِدَ لَهُمْ اَلنَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم ) فَقَالَ (( أَبُو بَكْرٍ فِي اَلْجَنَّةِ, وَعُمَرُ فِي اَلْجَنَّةِ, وَعُثْمَانُ فِي اَلْجَنَّةِ, وَعَلِيُّ فِي اَلْجَنَّةِ, وَطَلْحَةُ فِي اَلْجَنَّةِ, وَالزُّبَيْرُ فِي اَلْجَنَّةِ, وَسَعْدٌ فِي اَلْجَنَّةِ, وَسَعِيدٌ فِي اَلْجَنَّةِ, وَعَبْدُ اَلرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي اَلْجَنَّةِ, وَأَبُو عُبَيْدَةَ ِبْنِ اَلْجَرَّاحِ فِي اَلْجَنَّةِ )) ([13]) وَكُلُّ مَنْ شَهِدَ لَهُ اَلنَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم ) بِالْجَنَّةِ شَهِدْنَا لَهُ بِهَا, كَقَوْلِهِ (( اَلْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ )) ([14]) وَقَوْلِهِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ (( إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ )) وَلَا نَجْزِمُ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ اَلْقِبْلَةِ بِجَنَّةٍ وَلَا نَارٍ, إِلَّا مِنْ جَزَمَ لَهُ اَلرَّسُولُ (صلى الله عليه وسلم ) لَكِنَّا نَرْجُو لِلْمُحْسِنِ, وَنَخَافُ عَلَى اَلْمُسِيءِ وَلَا نُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ اَلْقِبْلَةِ بِذَنْبٍ, وَلَا نُخْرِجُهُ عَنْ اَلْإِسْلَامِ بِعَمَلٍ, وَنَرَى اَلْحَجَّ وَالْجِهَادَ مَاضِيَيْنِ مَعَ طَاعَةِ كُلِّ إِمَامٍ, برًا كَانَ أَوْ فَاجِرًا, وَصَلَاةُ اَلْجُمُعَةِ خَلْفَهُمْ جَائِزَةٌ قَالَ أَنَسٌ قَالَ اَلنَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم ) (( ثَلَاثٌ مِنْ أَصْلِ اَلْإِيمَانِ, اَلْكَفُّ عَمَّنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ, وَلَا نُكَفِّرُهُ بِذَنْبٍ, وَلَا نُخْرِجُهُ مِنْ اَلْإِسْلَامِ بِعَمَلٍ, وَالْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي اَللَّهُ عز وجل حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي اَلدَّجَّالِ, لَا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٌ, وَلَا عَدْلُ عَادِلٍ, وَالْإِيمَانُ بِالْأَقْدَارِ )) ([15]) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
وَمِنْ اَلسُّنَّةِ تَوَلِّي أَصْحَابِ رَسُولِ اَللَّهِ (صلى الله عليه وسلم ) وَمَحَبَّتُهُمْ, وَذِكْرُ مَحَاسِنَهُمْ, وَالتَّرَحُّمُ عَلَيْهِمْ, وَاعْتِقَادُ فَضْلِهُمْ, وَمَعْرِفَةُ سَابِقَتِهِمْ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى : (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (الحشر:10) (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ )(الفتح: من الآية29 وَقَالَ اَلنَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم ) (( لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي, فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا, مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ, وَلَا نَصِيفَهُ )) ([16]) وَمِنْ اَلسُّنَّةِ اَلتَّرَضِّي عَنْ أَزْوَاجِ اَلرَّسُولِ (صلى الله عليه وسلم ) أُمَّهَاتِ اَلْمُؤْمِنِينَ اَلْمُطَهَّرَاتِ اَلْمُبَرَّآتِ مِنْ كُلِّ سُوءٍ, أُفَضِّلُهُنَّ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ, وَعَائِشَةُ اَلصِّدِّيقَةُ بِنْتُ اَلصِّدِّيقِ اَلَّتِي بَرَّأَهَا اَللَّهُ فِي كِتَابِهِ, زَوْجُ اَلنَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم ) فِي اَلدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ, فَمَنْ قَذَفَهَا بِمَا بَرَّأَهَا اَللَّهُ مِنْهُ فَقَدْ كَفَرَ بِاَللَّهِ اَلْعَظِيمِ, وَمُعَاوِيَةُ خَالُ اَلْمُؤْمِنِينَ, وَكَاتِبُ وَحْي اَللَّهِ, أَحَدُ خُلَفَاءِ اَلْمُسْلِمِينَ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمْ-
وَمِنْ اَلسُّنَّةِ اَلسَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِأَئِمَّةِ اَلْمُسْلِمِينَ وَأُمَرَاءِ اَلْمُؤْمِنِينَ, بَرِّهِمْ وَفَاجِرِهِمْ, مَا لَمْ يَأْمُرُوا بِمَعْصِيَةِ اَللَّهِ, فَإِنَّهُ لَا طَاعَةَ لِأَحَدٍ فِي مَعْصِيَةِ اَللَّهِ, وَمَنْ وَلِيَ اَلْخِلَافَةَ وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ اَلنَّاسُ, وَرَضُوا بِهِ, أَوْ غَلَبَهُمْ بِسَيْفِهِ حَتَّى صَارَ خَلِيفَةً, وَسُمِّيَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ, وَجَبَتْ طَاعَتُهُ, وَحَرُمَتْ مُخَالَفَتُهُ, وَالْخُرُوجُ عَلَيْهِ, وَشَقُّ عَصا اَلْمُسْلِمِينَ
وَمِنْ اَلسُّنَّةِ هُجْرَانُ أَهْلِ اَلْبِدَعِ وَمُبَايَنَتُهُمْ, وَتَرْكُ اَلْجِدَالِ وَالْخُصُومَاتِ فِي اَلدِّينِ, وَتَرْكُ اَلنَّظَرِ فِي كُتُبِ اَلْمُبْتَدِعَة وَالْإِصْغَاءِ إِلَى كَلَامِهِمْ, وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ فِي اَلدِّينِ بِدْعَةٌ, وَكُلُّ مُتَّسِمٍ بِغَيْرِ اَلْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ مُبْتَدِعٌ, كَالرَّافِضَةِ, وَالْجَهْمِيَّةِ, وَالْخَوَارِجِ, وَالْقَدَرِيَّةِ, وَالْمُرْجِئَةِ, وَالْمُعْتَزِلَةِ, وَالْكَرَّامِيَّةِ, والكُلَّابِيَّةِ, وَنَظَائِرِهِمْ, فَهَذِهِ فِرَقُ اَلضَّلَالِ, وَطَوَائِفُ اَلْبِدَعِ, أَعَاذَنَا اَللَّهُ مِنْهَا
وَأَمَّا اَلنِّسْبَةُ إِلَى إِمَامٍ فِي فُرُوعِ اَلدِّينِ, كَالطَّوَائِفِ اَلْأَرْبَعِ فَلَيْسَ بِمَذْمُومٍ, فَإِنَّ اَلِاخْتِلَافَ فِي اَلْفُرُوعِ رَحْمَةٌ, وَالْمُخْتَلِفُونَ فِيهِ محمودون فِي اِخْتِلَافِهِمْ, مُثَابُونَ فِي اِجْتِهَادِهِمْ, وَاخْتِلَافِهِمْ رَحْمَةٌ وَاسِعَةٌ, وَاتِّفَاقُهُمْ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ
[1] - سورة المدثر آية : 26.
[2] - سورة مريم آية : 1.
[3] - سورة الشورى آية : 1.
[4] - البخاري : مواقيت الصلاة (554) ومسلم : المساجد ومواضع الصلاة (633) والترمذي : صفة الجنة (2551) وأبو داود : السنة (4729) وابن ماجه : المقدمة (177) وأحمد (4/360 ,4/362).
[5] - مسلم : الإيمان (
والترمذي : الإيمان (2610) والنسائي : الإيمان وشرائعه (4990) وأبو داود : السنة (4695) وابن ماجه : المقدمة (63) وأحمد (1/28).
[6] - الترمذي : الصلاة (464) والنسائي : قيام الليل وتطوع النهار (1745 ,1746) وأبو داود : الصلاة (1425) وابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1178) وأحمد (1/199 ,1/200) والدارمي : الصلاة (1591).
[7] - مسلم : الإيمان (35) والترمذي : الإيمان (2614) والنسائي : الإيمان وشرائعه (5005) وأبو داود : السنة (4676) وابن ماجه : المقدمة (57) وأحمد (2/414).
[8] - سورة التوبة آية : 24.
[9] - البخاري : الإيمان (44) ومسلم : الإيمان (193) والترمذي : صفة جهنم (2593) وابن ماجه : الزهد (4312) وأحمد (3/173 ,3/276).
[10] - البخاري : المناقب (3655) وأبو داود : السنة (4628) وأحمد (2/14).
[11] - أبو داود : السنة (4629) وابن ماجه : المقدمة (106) وأحمد (1/110).
[12] - أبو داود : السنة (4607) وابن ماجه : المقدمة (42) والدارمي : المقدمة (95).
[13] - الترمذي : المناقب (3747) وأحمد (1/193).
[14] - الترمذي : المناقب (3768).
[15] - أبو داود : الجهاد (2532).
[16] - البخاري : المناقب (3673) ومسلم : فضائل الصحابة (2541) والترمذي : المناقب (3861) وأبو داود : السنة (4658) وأحمد (3/11).
متن لمعه الاعتقاد ( الامام موفق الدين بن قدامه المقدسى)
هذا وبالله التوفيق ونسالكم الدعاء
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته
__________________